الصفحات

قران

http://quran.ksu.edu.sa/index.php?ui=1#aya=7_38&m=hafs&qaree=husary&trans=ar_mu

الاثنين، 7 سبتمبر 2020

جمع جمعَ تقديمٍ

 فتوى جديدة


للعلامة الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله ورعاه


في الجمع بين الصلاتين للمشقة المعتبرة


السؤال:


عندنا في الدنمارك(١) يدخل وقت صلاة المغرب على الساعة العاشرة مساءً، ويدخل وقت صلاة العشاء في منتصف الليل إلَّا ربعًا، وهكذا يستمرُّ وقت الصلاتين لمدَّة ثلاثةِ أو أربعةِ أشهرٍ.


فهل يجوز للمنفرد أن يجمع جمعَ تقديمٍ في بيته كلَّ يومٍ طيلةَ هذه المدَّة؟ لأنَّه يشقُّ عليه انتظار دخول وقت صلاة العشاء؟


وهل يجوز الجمع إذا جُمعت الصلاتان في المسجد لمدَّة ثلاثة أشهر؟


وهل يجوز لمن يستطيع انتظار دخول وقت صلاة العشاء الجمع في المسجد مع الجماعة؟


الجواب:


الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:


فالمعلوم أنَّ أداءَ الصلاةِ في وَقتها المقرَّر شرعًا لهو من أهمِّ شروط الصلاة، وَأوْكدِ فرائضِها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا﴾ [النساء: ١٠٣]، أي: أجلًا محدَّدًا، فلا يجوزُ تقديمُ الصلاة عن وقتها المختارِ لها لغير عُذرٍ، ولا تأخيرُها عنه، بل المحافظة على وقتها المشروع من أفضلِ الأعمال وأحبِّها إلى الله تعالى، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا»» الحديث(٢).


هذا الأصلُ المقرَّر لغير أهلِ الأعذارِ(٣)، وقَدْ يسَّر الله هذهِ العبادةَ العظيمةَ، ورخَّص لأهلِ الأعذارِ والحرَجِ مِن هذه الأُمَّة أنْ يَجْمَعُوا بينَ الصَّلاتَيْن جمعَ تقْديمٍ أَوْ تأخيرٍ بحَسَبِ حَالهمْ دفْعًا للمَشقَّةِ والحرَجِ لقَوْلِه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ﴾ [الحج: ٧٨]، وقولِه تعالى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].


ولا شكَّ أنَّ مثلَ هذه البلدان الأوروبية يتأخَّر فيها مغيبُ الشَّفَق الأحمرِ ـ وهو أوَّل وقت صلاة العشاء ـ تأخُّرًا كبيرًا حتى يَشقّ ـ على الكثير ـ انتظارُه، وخاصَّةً في فترةِ الصَّيف، بل قد تنعدم علامةُ وقتِ صلاة العشاء، وهي: الشفقُ الأحمرُ التي تميِّزه(٤)؛ لذلك كان الحرجُ فيها معتبرًا يشرع ـ والحال هذه ـ الجمعُ بين الصلاتين جمعَ تقديم عملًا بما ثبت من حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ» قيل: لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «كَيْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ»(٥).


واللَّافتُ للنَّظر أنَّ الجمعَ بين الصلاتينِ في وقت إحداهما للمعذورِ ليس هو ـ في واقع الأمرِ ـ تقديمًا أو تأخيرًا عنها إلَّا في صورة الفعلِ، ولكن وقتهما ـ في الحقيقة ـ هو وقتٌ واحدٌ موافقٌ للهدي النَّبوي، على ما دلَّت عليه النصوص الحديثية. لذلك كان الأخذُ برخصة الجمع بين الصلاتين عندَ حصولِ الحاجةِ أمرًا مرغَّبًا فيه للمنفرد أو الجماعة، وإن طالت مدَّتُه، ما دامت المشقَّة حاصلة؛ لأنَّ «المشقَّة تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ»، ولقوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ»(٦).


وإن جَمَع المعذور بين صلاتي الظهر والعصر أو بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير فإنه يجمع بينهما بأذانٍ واحدٍ وإقامتين؛ لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَإِقَامَتَيْنِ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ(٧) بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا»(٨).


غير أنَّه متى انتفى الحرجُ أو زالتِ المشقَّة امتنعَ الجمعُ وعاد الحكمُ إلى عادتِه وهو الصَّلاة على وقتها ـ كما تقدَّم ـ.


وإذا جمعَ أهلُ الحرج بين الصلاتين جماعةً في المسجد، فله أن يُصليَ معهم العشاءَ نفلًا إنْ شاءَ، وإن لم يكن مُحرَجًا، ثمَّ يُعيدُ صلاةَ العِشَاء عندَ دخولِ وقتِها فرضًا مِنْ غيرِ أن يتَّخِذَ هذَا التصرُّفَ عادةً لهُ.


والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.


الجزائر في:  ١٣ من ذي الحجة ١٤٤١هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق